خطبة بعنوان : “قيمة العمل وشرفه في الإسلام”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 2 من شعبان 1438هـ، الموافق 28 إبريل 2017م
خطبة بعنوان : “قيمة العمل وشرفه في الإسلام“، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 2 من شعبان 1438هـ، الموافق 28 إبريل 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
“قيمة العمل وشرفه في الإسلام”
العناصر:
- العمل في الإسلام.
- العمل في شتي المجالات .
- مكانة العمل وقيمته:
- احتراف أنبياء الله للعمل .
- ب- العمل جهاد في سبيل الله ومغفرة للذنوب.
ج -العمل يحقق الأمن الاجتماعي.
4- آداب العمل :
أ- إتقان العمل.. ب- النهي عن التسول .. ج – القوة والأمانة. د – البعد عن الخيانة..
هـ- الالتزام والانضباط.. و- الدوام والتبكير..ز- عدم التكالب علي جمع المال..
ح- إعطاء الأجير حقه ..
الخطبة
الحمد لله رب العالمين..” خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ”.. “لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى “.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ادخر لعباده أجزل الثواب لقاء عملهم :” فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ“. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها محمد صلي الله عليه وسلم .قال وما ينطق عن الهوى :” من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفور له”(السيوطي). ويقول صلي الله عليه وسلم :”ما أكل أحد طعاما خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”(البخاري ) اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد فيا جماعة الإسلام
1- العمل في الإسلام قال تعالي :”وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ”(يس/33-35). لقد دعا الله عز وجل إلى العمل والاحتراف في شتى المجالات ودعوة الله هذه لم تكن من فراغ فحاشا لله أن يدعوا لشيء عبثاً أو هملاً وإنما كانت الدعوة من أجل إيجاد حياة كريمة منعمة للفرد والمجتمع لأنه من لم يملك قوت يومه لم يملك حريته .
عباد الله : برز اهتمام الإسلام بالعمل في عدّة مواضع، فورد ذكره في القرآن الكريم والسّنة النّبوية الشّريفة، وجاء اهتمام الإسلام بالعمل والحثّ عليه انطلاقاً من أهميّته البالغة ودوره في حياة الفردِ والمجتمع معاً. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: “ما أكل أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً من أن يأكلَ من عمل يده، وأنَّ نبيّ الله داوود عليه السّلام كان يأكلُ من عمل يده”.(البخاري). ففي الحديث النّبوي الشّريف السّابق وضّحَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم مدى هذه الأهميّة التي تحثُّ العبدَ على المِضيِّ قُدُماً وضرورة الكسب الحلالِ لضمانِ حياةٍ كريمةٍ له، كما استدّل بخيرِ مِثالٍ ضربه عن نبيّ الله داوود عليه السّلام بالعمل. وفي الذكر الحكيم أمر الله سبحانه وتعالى صراحةً عبادَه بالسعي في مناكبِ الأرض بحثاً عن الرّزق، وحذّر من التّقاعس عن العمل والتّكاسل، كما حذّر الإسلام من الاتّكالية على الغير في تأمين القوتِ والحياةِ الكريمة، فقد ذمَّ الإسلام القعودَ عن العملِ والتّواكل واعتبره بمقام المهانةِ والمذلّة للإنسان في الحياة الدّنيا، خاصّةً إذا كان لديه القُدرة على العمل وتقاعَسَ عنه بإرادته.
2- العمل في شتى المجالات
إخوة الإسلام :ودعا الإسلام إلى العمل الحر الشريف الذي يصون كرامة الإنسان بشرط الإتقان في العمل والبعد عن الحرام . لقد عظم الإسلام من شأن العمل مهما كان هذا العمل، في المصنع أو في المتجر أو في المستشفى أو في الوزارة أو في السوق، أو في بناء العمارات وتشييد المباني، أو في الزراعة وحراثة الأرض، أو حتى كان العمل في حفظ الأمن وحراسة الأموال والأعراض، أو حتى كان في القضاء والفصل بين الناس أو غير ذلك، بل حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها فأنها تؤجر عليه. فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه، قال الله تعالى:”مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” (الحج/97).
فقد دعا الإسلام إلى التجارة وقال:” تسعة أعشار الرزق في التجارة “ولكن العمل في التجارة مثلاً بالكذب والغش والطمع والأنانية فنجد الرسول صلي الله عليه وسلم يقول :” التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء “( الترمذي والحاكم). ويقول :” إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا”( الترمذي) “رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى”أما حين يغير التاجر يقول صلي الله عليه وسلم :” إن التجار هم الفجار قيل ولما يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع قال بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون فيأثمون”(صحيح ).
ويحذر الرسول التجار من كثرة الحلف :” خاب وخسر المنفق سلعته بالحلف الكاذب” ويقول :” ويل للتاجر من بلي والله ولا والله”(حديث مرفوع). . لذلك كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان ينزل السوق ويقول لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في دينه وإلا أكل الربا شاء أو أبى. وحين يكون العمل في مجال الصناعة نرى الرسول يقول ويل للصانع من غد وبعد غد ” كذلك الصناعة قوامها الإتقان :” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”(حسن). كذلك أيضاً فيها أجر فيقول ” أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه ” (ابن ماجة صحيح). وحين يكون في مجال الزراعة يقول صلي الله عليه وسلم ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها”( أحمد).
3- مكانة العمل وقيمته :
عباد الله: إن للعمل في الإسلام مكانة عالية ومنزلة رفيعة، به ينال الأجر والثواب، وهو عبادة عظيمة لله وامتثال لأمره، عن طريقه تقوم الحياة، وتعمر الديار، وتزدهر الأوطان، ويحدث الاستقرار، أمر به سبحانه وتعالى فقال: “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”(الجمعة/10). ، وقال تعالى: “وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا”(النبأ//11). وقال سبحانه وتعالى:”هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”(الملك/15).
أ- احتراف أنبياء الله للعمل :
عباد الله : ولقد وردت في القرآن وفي السنة أمثلة كثيرة تؤكد على هذا المعنى وقيمته الخطيرة وتصف الأنبياء عليهم السلام بأنهم كانوا ذوي حرف وصناعات برغم مسئولياتهم الهائلة في الدعوة إلى الله وانشغالهم بذلك عن العمل والاحتراف ولولا أن الله جلت قدرته اختار لهم أن يحترفوا وأن يكسبوا قوتهم بعرق جبينهم قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كان آدم -عليه السلام- حراثاً، ونوح نجاراً، وإدريس خياطاً، وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة، وصالح تاجراً، وداود حداداً وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول بشأن داود عليه السلام :”ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده “( البخاري وأحمد). فنبي الله داود عليه السلام كان يعمل حداداً يصنع السيوف ، ونبي الله نوح عليه السلام كان يعمل نجاراً يصنع الفلك:” وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا “(هود/37). ونبي الله موسى عليه السلام اشتغل برعي الغنم عشر سنين أجيراً في أرض مدين قبل أن يبعثه الله رسولاً ونبي الله زكريا كان يعمل خواصاً ونبينا محمد صلي الله عليه وسلم كان يرعى الغنم في صدر شبابه على قراريط ثم اشتغل بالتجارة في مال خديجة بنت خويلد زوجته رضي الله عنها فيما بعد .
فهؤلاء هم أقطاب النبوة وألو العزم من الرسل وقد شرفوا باحتراف مهنة يعيشون على كسبها ويستعينون بها عن سؤال الناس فهذا هو خير الطعام .
ولا ريب أن هؤلاء الرسل لم يكونوا أغنياء يجمعون المال ويكنزونه وإنما كان كل ما حصلوه وسيلة للعيش الكريم الذي يحفظ كرامة الإنسان ويقيه ذل السؤال ويصون ماء وجهه قبل أن يصون أنفاس الحياة ..وليس ذلك من أجل كثرة الغنى و:”ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس”( أحمد والترمذي).
ب- العمل جهاد في سبيل الله ومغفرة للذنوب:
إخوة الإسلام :” واعتَبَر الإسلام العمل نوعاً من أنواع الجهاد في سبيل الله، فقد رأى بعض الصحابة شابًّا قويًّا يُسرِع الخطي إلى عمله، فقالوا:” لو كان هذا في سبيل الله، فردَّ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “لا تقولوا هذا؛ فإنَّه إنْ كان خرَج يسعى على ولده صِغارًا فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان” (صحيح الجامع).
فقد حكم صلوات الله عليه وسلامه علي الرجل الذي يتفجر نشاطاً وعافية يسرع الخطى نحو غايته وعمله إذا مات بأنه شهيد فالعمل في الإسلام ليس بظاهره وشكله وإنما ببواعثه وغايته لذلك جعل الرسول صلي الله عليه وسلم هذا العمل ومغفرة لذنوب العبد يقول صلي الله عليه وسلم :”من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفور له”( السيوطي).
ومع أن الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين ومع أن الصيام سر بين العبد وبين ربه يجزى عليه :” كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به “(البخاري). ورغم أن الصدقة تطفئ غضب الرب وتقي من الميتة السوء ومع ذلك هناك ذنوب لا تكفر بهذه الأعمال ولمن يكفرها العمل والسعي على المعاش .
ج- العمل يحقق الأمن الاجتماعي :
أيها المؤمنون: إن هدف العمل في الإسلام ليس كسب المال فقط، ففضلاً عن معانيه التعبدية، فإن من غاياته تحقيق الأمن الاجتماعي بين الناس، وهذا يؤدي إلى التوازن النفسي على مستوى الفرد والجماعة، وكم من مجتمعات بلغت الغاية في الكسب المادي، ولكن أفرادها ظلت حياتهم مملوءة بالقلق والخوف والوحدة والشعور الحاد بالغربة القاتلة، وكأنها تعيش في غابة مملوءة بالوحوش الكاسرة، لذا نجد علاقات طردية بين العمل الصالح -والذي من وراءه بسط الرزق- والتوازن الاجتماعي، وهذا المفهوم يتضح من خلال الحديث الصحيح: “من سره أن يبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه” (البخاري).
إن نظام هذه الحياة، يتطلب السعي والعمل،حتي يتحقق الأمن الاجتماعي في المجتمع فجميع المخلوقات من حولنا تسعى بجد، وتعمل بنشاط، فكان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل مستشعراً بشعار الجد والنشاط، طارحاً القعود والكسل وراءه ظهرياً، حتى يقوم بما فرضته عليه طبيعة الإنسانية، وهي سنة الله في خلقه، وبما أوحت إليه القوانين الشرعية، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كلا على غيره، وهو يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رحى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :”ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده” (البخاري)، ويقول أيضًا: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلةٌ فإن استَطاع ألاَّ يقوم حتى يغرسها فليفعلْ” (البخاري).
4- أداب العمل في الإسلام :
عباد الله: وإذا كان العمل بهذه الأهمية والمكانة، فإن له آداب وواجبات ينبغي لكل مسلم أن يلتزم بها وهو يقوم بأي عمل من الأعمال ومن هذه الآداب :
أ- إتقان العمل :”فعليه ابتداءاً أن يتقن عمله، وتلك صفة عظيمة في حياة المؤمن، لذلك كانت مطالبة الرسول صلي الله عليه وسلم إلى الإتقان في الأعمال، فقد قال: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” (السلسلة الصحيحة).
فالإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة يربيها الإسلام فيه منذ أن يدخل فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه، ولأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة هو عمل مقبول عند الله، يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. قال تعالى:”قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ”(الأنعام/162-163).
ب- النهي عن التسول فالتسول عار :
أيها الناس :” ومن الآداب أن الإسلام نهى أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، فالذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذَّر النبي صلي الله عليه وسلم من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال صلي الله عليه وسلم : “اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعِفَّه الله، ومن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله” (متفق عليه).
عباد الله : وفي نهى الإسلام عن التسول والمتسولين ونعيه على الذين يجلسون عالة على غيرهم وهو ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم :”المسألة تأتي نكتة سوداء في وجه صاحبها يوم القيامة “. ويقول :”من جلس إلى غني لينال من ماله فقد ذهب ثلث دينه “(الترغيب والترهيب للمنذري). ويقول صلي الله عليه وسلم :” من فتح باب مسألة فتح الله عليه باب فقر”(أحمد صحيح ) لذلك نجده صلي الله عليه وسلم يدعوا إلى العمل والاحتراف خيراً من المسألة فعن الزبير ابن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :” لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس : أعطوه أو منعوه “( ابن ماجة). لذلك دعي الرسول صلي الله عليه وسلم إلى الاحتراف وجعله طريقاً إلى حب الله عز وجل فعن ابن عمر رضي الله عنهما :” إن الله يحب المؤمن المحترف “( الترمذي والطبراني والسيوطي).
وتركيز الرسول على عمل الرجل بيده إعلاء لشأن الحرف التي تبدوا في أعين الناس شاقة أو مهينة لذلك قال تزكية للحرفيين والصناع الذين يمارسون بأيديهم الجهد والمجاهدة أعمالهم ..
وحين يسأل أي الكسب أفضل قال صلي الله عليه وسلم :” أطيب الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور”( أحمد والحاكم). وحين يلقى بعض الصحابة ذات يوم ويجد في يديه خشونة فيسأله ما بال كفيك قد امجلتا فيجيبه الصحابي من أثر العمل يا رسول الله فيرفع الرسول كفيه على ملأ من الصحابة ثم يقبلها ويلوح بهما كأنهما راية ويقول مباهياً:” كفان يحبهما الله ورسوله” .(المبسوط للسرخسي).
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: “اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة”، ويقول أيضاً: رضي الله عنه: “أني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة فإن قالوا لا سقط من عيني”. فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة.
يقول الشاعر:
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومن طلب العُلا من غير كَدٍّ *** أَضَاع العُمْرَ في طلب الْمُحَال
ج- القوة والأمانة:
إخوة الإسلام : ومن آداب العمل في الإسلام أن يكون العامل قويًّا أمينًا. والقوة تتحقق بأن يكون عالمًا بالعمل الذي يسند إليه، وقادرًا على القيام به، وأن يكون أمينًا على ما تحت يده، قال الله تعالى: “إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ”(القصص/26). وأن يكون العامل بعيداً عن الغش والتحايل، فالغش ليس من صفات المؤمنين، يقول النبي صلي الله عليه وسلم : “من غش فليس مني” (مسلم وأبو داود والترمذي)، وعن أبو هريرة، “أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ على صُبرةِ طعامٍ. فأدخلَ يدَهُ فيها. فنالت أصابعُهُ بللًا. فقالَ ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتهُ السَّماءُ. يا رسولَ اللَّهِ! قالَ أفلا جعلتَهُ فوقَ الطَّعامِ كي يراهُ النَّاسُ؟ من غَشَّ فليسَ منِّي” (مسلم)،
د- البعد عن الخيانة وعدم الغلول:
عباد الله : إن من بين السلبيات التي تجعل حضارة المجتمع في تراجع، ‘الخيانة في العمل، وعدم الوفاء بأمانة العمل’، إما عن طريق أن يوسد العمل إلي غير أهله، وإما بإهدار المال العام، وكلاهما أبشع أنواع الخطر على تقدم المجتمع وحضارته، أما توسيد العمل إلى غير أهله، فيترتب عليه خلخلة المؤسسة أو الإدارة، وعدم استقرارها وثباتها، وفي التأكيد على المحافظة على الاستقرار، كان توجيه الإسلام واضحاً في بيان أن الأمر إذا وسٌد إلي غير أهله فلننتظر الساعة، كناية عن انتهاء الحياة والاستقرار، وعندما سئل الرسول صلي الله عليه وسلم عن الساعة، وقال له رجل: متى الساعة؟ قال: “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، فقال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسٌدّ الأمر لغير أهله فأنتظر الساعة”( البخاري).
وأما إهدار المال العام فإنه يتمثل في صور كثيرة من سوء استخدام صلاحيات البعض، ومن عدم مراقبة الله تعالى فيما يعمل وفيما يأخذ، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : “مَن استعمَلناه على عملٍ فرزقناه رزقًا، فما أُخِذَ بعد ذلك فهو غلولٌ” وفي روايةٍ أخرى: “مَن استعملناه منكم على عملٍ فكتمنا مخيطًا فما فوقَه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة” (أحمد وإسناده صحيحٌ على شرط مسلم، ورجاله ثقات رجال الشيخين).
هـ الالتزام والانضباط :
أيها الناس :ومن الآداب والواجبات على العامل المسلم الالتزام بالمواعيد، والنصح لصاحب العمل، وتحري الحلال، والبعد عن الأعمال المحرمة، ويجب على العامل أن يحفظ أسرار عمله، فلا يتحدث إلى أحد -خارج عمله- عن أمورٍ تعتبر من أسرار العمل، وعليه أن يلتزم بقوانين العمل، ويجب على العامل أيضا أن يحافظ على أداء الصلوات وإيتاء الزكاة، والقيام بسائر العبادات على أكمل وأحسن وجه، بل إن ذلك من أسباب الحصول على الرزق والتوسعة فيه، قال تعالى: “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى” [طه: 132]، وقال صلي الله عليه وسلم :”ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله” (مسلم).
و- الدوام والتبكير :
أيها الناس:لذلك ولكي ننل رحمة الله وتوفيقه قريبين منا ونحن نعمل يوصينا الرسول صلي الله عليه وسلم بواجبات العمل وآدابه وأولها البكور إليه . ويدعونا الرسول صلي الله عليه وسلم إلى جانب إتقان العمل والإقبال عليه في حيوية ونشاط من أجل هذا يوصي بالبكور في السعي إلى العمل فيقول الرسول صلي الله عليه وسلم:” باكروا الغدو في طلب الرزق فإن الغدو بركة ونجاح”(السيوطي).
ولما كان الالتزام بالدوام والتبكير إلى العمل من آداب العمل وبركته ، حيث يكون النشاط موفورًا، وتتحقق البركة، قال صلي الله عليه وسلم : “اللهم بارك لأمتي في بكورها” (الترمذي وابن ماجه)، هذه آداب العمل وواجبات العامل في الإسلام وغيرها كثير. فيها الراحة والسعادة والأمن والآمان للفرد والمجتمع، وفيها رضا الله وسعة رزقة وتتابع بره وحلول بركته.
ز- عدم التكالب على جمع المال
عباد الله: ومن آداب الرزق عدم مزاحمة الآخرين في طلب الرزق والبيع على بيع الآخرين يقول صلي الله عليه وسلم :” لا بيع أحدكم على بيع أخيه”(البخاري).
ويقول صلي الله عليه وسلم محذراً من التكالب على جمع الرزق :”إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله”( ). ويقول صلي الله عليه وسلم :”من أصبح آمنا في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها”(الطبراني).
ويحدثنا أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم فيقول ” جعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يتلو هذه الآية :” ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ” فجعل يرددها ويقول:” يا أبا ذر لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم”( أحمد). إننا مطالبون بعمارة الأرض والسعي على الرزق ولكن ليس معنى هذا أن نتحول إلى أطماع مسعورة هذا ما يحذر منه الإسلام ” من كانت همه الآخرة جمع الله عليه شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة ومن كانت الدنيا فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له”(السيوطي ).
“وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً “( النساء /110).
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ..
أما بعد فيا جماعة الإسلام .. لا زلنا نواصل الحديث عن العمل وشرفه وأنه هو الطريق الوحيد إلى رضاء الله:” وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (التوبة /105). فإذا قبل الله منا أعمالنا وأدخلنا الجنة وجعلنا :”خالدين فيها فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ “(الزمر /74).
ح- إعطاء الأجير حقه :
أخوة الإسلام :ومن صورِ اهتمام الإسلام بالعمل فقد وضعَ أُسُساً لأخلاقيّات العمل ومفهومه وأبعاده، ولم يغضَّ الطَّرْف عن كل جوانبِ العمل في الإسلام، ومن أهم الأخلاقيات التي حددها الإسلام: الاهتمام بحقوق العُمّال، ومنها: مناسبة الأجر مع ما يبذلُه العامل من جهدٍ. عدم المُماطلة في دفع الأجر للأجير. أن يكونَ العملُ مناسباً للعامل. الصّدق في العمل. إتقان العمل. الأمانة. عدم تأجيل العمل. استشعار رقابة الله سبحانه وتعالى أثناء العمل.
فقد نظم الإسلام العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وجعل لكلِّ منهما حقوقًا وواجبات، فقد ضمن الإسلام حقوقًا للعامل يجب على صاحب العمل أن يؤديها له، ومنها الحقوق المالية: وهي دفع الأجر المناسب له، قال الله تعالى: “وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ”(هود/85). ويقول الرسول :”أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”(ابن ماجه)، وروي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:”قال الله تعالى: “ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره”.( البخاري).
ومن ذلك الحقوق البدنية: وهي الحق في الراحة، قال تعالى: “لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” (البقرة/286). ويقول صلي الله عليه وسلم : “إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فلْيطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم”(متفق عليه).
وكذلك يجب على صاحب العمل أن يوفر للعامل ما يلزمه من رعاية صحية، وأدوات وغير ذلك من متطلبات العمل. فإلى العمل والإنتاج لنرضي ربنا ونحقق طموحاتنا ونبني أوطاننا عن أنس قال : كان أخوان على عهد النبي صلي الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتى النبى صلي الله عليه وسلم والأخر يحترف – يعنى يعمل – فشكي المحترف أخاه إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال له : ” لعلك ترزق به ” قال الترمذي : ” حسن صحيح ” وقال الحاكم : ” صحيح من شرط مسلم ورواته عن آخرهم أثبات ثقات “.
عباد الله : عندما كان المسلمون يتعاملون بهذه القيم وبهذه الأخلاق، كان العامل المسلم في أي مجال من مجالات العمل يستشعر هذه المسئولية، وهذه الأمانة، ويقوم بواجبه على أكمل وجه، لا تغره المناصب، ولا تستهويه وتفسده الأموال. لقد دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعيد بن عامر الجمحي إلى مؤازرته، وقال: “يا سعيد إنا مولوك على أهل (حمص)، فقال سعيد: يا عمر ناشدتك الله ألا تفتني. فغضب عمر وقال: ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني! والله لا أدعك”. ثم ولاه على (حمص) ثم مضى إلى حمص، وما هو إلا قليل الزمن حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل حمص فقال لهم: “اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم، فرفعوا كتابا فإذا فيه: فلان وفلان وسعيد بن عامر، فقال: ومن سعيد بن عامر؟! فقالوا: أميرنا! قال: أميركم فقير؟! قالوا: نعم ووالله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار، فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته“.
ولم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها، فلما نزل بحمص لقيه أهلها للسلام عليه، فقال: “كيف وجدتم أميركم؟ قالوا نعم الأمير يا عمر، إلا أنهم شكوا إليه ثلاثاً من أفعاله، كل واحد منها أعظم من الأخرى. قال عمر:” اللهم لا تخيب ظني فيه وجمعهم به، ثم قال: ما تشكون من أميركم؟ قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار. فقال عمر: وما تقول في ذلك يا سعيد؟ فسكت قليلاً، ثم قال: والله إني كنت أكره أن أقول ذلك، أما وإنه لا بد منه، فإنه ليس لأهلي خادم، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم، ثم أتريث قليلا حتى يختمر، ثم أخبزه لهم، ثم أتوضأ وأخرج للناس، قال عمر: وما تشكون منه أيضا؟ قالوا: إنه لا يجيب أحدا بليل. قال عمر: وما تقول في ذلك يا سعيد؟ قال: إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضا. فأني قد جعلت النهار لهم ولربي لله الليل. ثم قال عمر: وما تشكون منه أيضا؟ قالوا: تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه، قال عمر: وما هذا يا سعيد؟! فقال: شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك، ورأيت قريش تقطع جسده وهي تقول: أتحب أن يكون محمد مكانك؟ فيقول: والله ما أحب أن أكون آمنا في أهلي وولدي، وأن محمدا تشوكه شوكة. وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي. وأصابتني تلك الغشية عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك”. هذا هو العمل وهكذا يكون تحمل المسئولية، وهكذا تؤدى الأمانات. علوٌ في الحياة وفي الممات وفي الآخرة عند خالق الأرض والسموات.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا قريب سميع مجيب الدعوات .. وأقم الصلاة ..
العمل عبادة